🌘 رصدى المتواضع لواقع مجتمعاتنا

من الاشياء التى لاحظتها مؤخرا هو الرغبة المتزايدة عند البعض لأنشاء نموذج اجتماعى واقتصادى وسياسى جديد مختلف عن النموذج الغربى فى الحياة وهذه الرغبة انا أظنها لسببين:

  • وصول المجتمع لأستنتاج ان النموذج الغربى فى المعيشة والأسلام لا يتوافقون مع بعضهم البعض.
  • الرغبة فى انشاء منظومة جديدة لا تغير فقط مجتمعنا العربى والأسلامى ولكن تكون منارة لتغيير العالم بأجمعه.

ولكن هذه الرغبة الجميلة اذا لم تعى للواقع وتحديات التطبيق ستفشل كما فشل غيرها للأسف … سأتحدث فى هذه المقالة البسيطة عن بعض التصورات الموجودة عن كيفية انشاء هذه المنظومة وأشهر الاخطاء الذى يمكن ان يسقط فيها البعض وكيفية تفاديها.

🌓 الإنطلاق من الأختلاف لا من الأحتياج

من أشهر اسباب انشاء نموذج مختلف عن النموذج الغربى فى كل شئ هو عدم توافق النموذج الغربى مع قيمنا الأخلاقية كدعم الشذوذ او النظم البنكية التى تحافظ على الأغنياء أكثر غناءا والفقراء أكثر فقرا وغيرها من الأنظمة الغربية التى قد تكون فعالة جدا فى مجتمعاتها ولكنا مدمرة جدا فى مجتمعنا. بناءا على هذا فينطلق الكثيرين (وانا كنت منهم فى وقت ما) على انشاء نماذج مختلفة محلية تستبدل النموذج الغربى ولكن من باب الأختلاف لا من باب الأحتياج … بعض الأمثلة للتوضيح:

  • استبدال فيسبوك بمنصة تواصل اجتماعى اخرى لأنها أنجازت لأسرائيل على اخواننا فى فلسطين.
  • استبدال لينكدان بمنصة تواصل أخرى لأنها تدعم الشواذ وتجبرنا على دعمهم بالمرة.
  • استبدال الأنظمة البنكية بأنظمة بنكية مسلمة لأنها سياسات البنوك العالمية لا تتوافق مع الاسلام وتفرض الربا على المجتمعات مما يؤدى الى تدميره مع الوقت. وهناك أمثلة اخرى على نفس النهج يوجد فيها مجتمعنا العربى غير راضى عن السياسات الغربية ويريد ان يستبدلها بشئ متوافق مع هويته وتراثه وثقافته ودينه ولكن وبالرغم من هذه النية الطيبة الا انه يقع فى اشهر خطأ فى هذه العملية وهو الأنطلاق من الأختلاف لا من الأحتياج.

كل الأمثلة السابق ذكرها يشتركون فى رغبتهم بأستبدال المنظومات الموجودة بمنظمات لها نفس الهيكل ولكن بأهداف مختلفة او سياسات مختلفة فقط وهذا وإن أصيب فى بعض الحالات (الصين كمثال) الا إنه فشل فى الكثير الأخر لأنه ينتج منظومة كل هدفها فى الحياة هو مجابهة المنظومة الأخرى لا مساعدة الناس وتوفير لهم حياة افضل.

أستبدال مواقع التواصل الحالية بمواقع تواصل عربية تقوم بنفس الوظيفة ولكن ليس فيها دعم للشواذ او أسرائيل لن تنجح لأنها تشبه بمن يحاول ان يبنى سلسلة مشروبات غازية تنافس كوكاولا او بيبسى فقط لأن لون غطاء زجاجتهم لا تعجبه … المطلوب هو بناء سلسلة مشروبات اخرى قائمة على المشروبات الصحية والطبيعية والاستفادة الصحية لأى انسان يشربها وتوفيرها بسعر وطعم منافس جدا حتى تفلس شركات المشروبات الغازية وتنغلق فى العالم كله.

الذى نحتاجه هو ان ندرس مجتمعاتنا بشكل دقيق لنعلم ما يحتاجه وبناءا على ذلك نبنيه ونتقن بناءه ثم نوفره لا كبديل للفيسبوك او لينكدان ولكن كأداة هدفها الأوحد هو مساعدة كل انسان يستخدمها … وكمثال واقعى على هذه المسألة فهذه هى الصفات التى اظن ان وجدت فى موقع تواصل عربى سأترك المواقع الحالية واتجه إليه:

  • لا يوجد حسابات مزيفة فى هذا الموقع وبيانات كل انسان فيه حقيقة ومتاحة للجميع (هذا سيمنع المضايقات او اى شكل من اشكال عدم الثقة بين الناس اثناء استخدامه)
  • الموقع غير مبنى اقتصاديا على الربح من تواجد الناس عليه لأطول فترة ممكنة والتى أدت (فى حالة فيسبوك) الى ادماج فلسفة الاستقطاب داخل خوارزميات الموقع وزيادة الكره بين افراد المجتمع والأذى النفسى للمتواجدين عليه
  • التركيز فى بناء الموقع على حرية التعبير حتى لو اصحاب الأراء كانوا مختلفين مع هويتنا ومنظومتنا الأخلاقية ولكن بدون السماح بنشر اى معلومات خاطئة او مضللة وأيضا عدم السماح بنشر المحتويات الجنسية واستغلال الفتيات (هذه ستكون صعبة ولكن عدم وجود حسابات مزيفة قد يساعد على تحقيقها)
  • استهداف الموقع ان يكون منارة علمية وتجارية فيشارك المثقفين والكاتبين والعلماء ارائهم وعلومهم على المنصة ليستفيد كل المتواجدين وفى نفس الوقت توفير نظام تجارى داخل الموقع يستفيد من منظومة الثقة الموجودة فى النقطة الأولى فى تشجييع كل المتواجدين على البيع والشراء والكسب الحلال والتعرف على أناس جديدة والأستفادة من خبرتهم ورؤيتهم للحياة.

هذه المقومات اذا تواجدت فى موقع تواصل باللغة العربية لا اظن انه سيمر الكثير من الوقت حتى يتحول نسبة غير قليلة من الناس إليه وذلك ليس لأنهم رافضين فيسبوك او لينكدان ولكن لأنه مفيد فعلا لهم سواء على المستوى التجارى فى البيع والشراء او على المستوى النفسى فى عدم وجود المقارنات المرهقة او الأستقطاب فى الأراء وفوق كل ذلك الاثراء العلمى المعرفى الموجود داخل الموقع.

وهذا ينقلنى الى بعض الامثلة الحالية على ارض الواقع التى تقوم على هذه الفلسفة فى التغيير وقدر فعاليتها عندهم

🍁 تركيا كمثال

تركيا من الدول المتقاربة لنا فى القيم الأخلاقية والتراثية لحبهم للأسلام وللنبى صلى الله عليه وسلم … من أشهر الأمثلة المتواجدة عندهم على ما قلناه هى مسلسلاتهم التاريخية وطابعها المختلف عن الشكل الغربى فى حكاية القصة.

  • مسلسل الغازى أرطغرل

قيامة ارطغرل

  • مسلسل المؤسس عثمان

المؤسس عثمان

  • مسلسل أل بربروس

أل بربروس

كل واحد من هذه المسلسلات (ذات الطابع التاريخى) تتراوح مدة حلقاته من الساعة والنصف الى الساعتين ويتم بثه بشكل اسبوعى وله طابع موسيقى وفنى متوافق مع الهوية التركية ومختلف عن الهوية الغربية وينطلق من إحتياج الناس لمعرفة هويتهم الضائعة لا الأختلاف فقط عن النموذج الأخر من باب الأختلاف.

🍁 شركة أبل كمثال

شركة أبل من أنجح الشركات على مستوى العالم وإذا سألنا انفسنا ما سبب هذا النجاح سنجد أن ستيف جوبز مؤسس هذه الشركة يجيبنا بإجابة بسيطة وواضحة عن سبب بقاء ابل وهبوط الأخرين.

🍁 الصين كمثال

الصين من الدول الصاعدة وبقوة فى كافة المجالات التقنية والمعرفية والثقافية (وانا اظن وهذا زعمى الشخصى) اننا يمكن ان نرد هذا النجاح الكبير وقوتها على عدم التأثر بالغرب إلى انفصالها عن الغرب بشكل كامل بل جعل الغرب هو المعتمد عليها على المستوى التقنى والفنى.

🌕 التمهيد للجزء الثانى

سأتحدث فى الجزء القادم عن كيفية تغيير النظام الأقتصادى ولماذا البداية تكون دائما من العملات وسأتطرق إلى أهمية التواجد المادى على أرض الواقع والعمران فى التاريخ العربى والأسلامى وتأثيره على حياة الناس.

نلقاكم فى مقالة جديدة إن شاء الله … دمتم سالمين